الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعظيم العلماء وتوقيرهم من تعظيم شعائر الله

السؤال

اختلطت علينا الأشياء، وكثرت المغالطات من أبناء المسلمين وأصبح المسلم غريبا, أعزائي الشيوخ, هناك أناس أصبحوا يلتمسون الدين لغير الله (وهي من علامات الساعة) ومن جهل الناس أصبحوا لا يميزون بين الشيوخ , فأصبحوا يجملونهم بأحكام ويقولون هؤلاء الشيوخ أكذب ناس (معاذ الله من هكذا حكم) أو يقولون هؤلاء يقولون ما لا يفعلون , ويجملون كل الشيوخ بهذه الأحكام نتيجة رؤيتهم لشيخ واحد (وهو ربما التمس الفقه لغير الدنيا ولم يعمل بما أمر الله ).
فيا ليتكم يا إخواني تفيدوني بما يجب علينا أن نرد به على هؤلاء الناس , بشيء من القرآن والسنة وأقوال السلف بما يمكننا من ردعهم وتخويفهم كي لا يعيدوا ذلك مرة أخرى.
وأرجو أن تفيدوني بحكم هؤلاء الناس عند الله من الآثام عندما يسبوا الشيوخ ...
وجزاكم الله كل خير ...

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالوظيفة المنوطة بالمنسوبين إلى العلم والدين عظيمة، من جهة أنهم يجب عليهم مراعاة رسم العلم وما يوجبه أكثر من غيرهم لما في تعديهم الحدود ومجاوزتهم الشرع وعملهم بخلافه من صد للناس عن سبيل الله، فإنهم بمخالفتهم ما يدعون الناس إليه يحملونهم على إساءة الظن بأهل العلم أو على الاقتداء بهم في الشر، ولا ينكر أن من المنسوبين إلى العلم دخلاء هم علماء سوء يقولون ما لا يفعلون.

وقد وصف حال هؤلاء ابن القيم فقال رحمه الله: عُلَمَاء السوء جَلَسُوا على بَاب الْجنَّة يدعونَ إِلَيْهَا النَّاس بأقوالهم ويدعونهم إِلَى النَّار بأفعالهم، فَكلما قَالَت أَقْوَالهم للنَّاس هلمّوا قَالَت أفعالهم لَا تسمعوا مِنْهُم، فَلَو كَانَ مَا دعوا إِلَيْهِ حَقًا كَانُوا أول المستجيبين لَهُ، فهم فِي الصُّورَة أدلاء وَفِي الْحَقِيقَة قطّاع الطّرق. انتهى.

ومع وجود هذا الصنف من المنسوبين إلى العلم والدين فإن الأصل بحمد الله في أهل هذا الشأن هو العدالة والسلامة، فوجود خطأ من بعض المنسوبين إليهم لا يجوز بحال أن يتخذ تكأة للطعن عليهم جميعا والحط منهم والنيل من رتبتهم. بل هذه طريق أهل الزيغ والضلال ورثة أهل النفاق الذين قالوا بالأمس في علماء الأمة - محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه - : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا وأكذب ألسنة وأجبن عند اللقاء. وعلماء الأمة هم النجوم الذين يهتدى بهم في ظلمات الجهل، وترجم بهم شبهات البدع، وتزين بهم وبذكرهم المجالس، فإذا انتقصوا وذهبت حرمتهم فماذا يبقى للناس؟! ألا فليعلم أن النيل من أهل العلم وتزهيد الناس فيهم بإشاعة ما قد يقع فيه بعض المنسوبين إليهم من خطأ حينا وبالكذب عليهم وإشاعة الباطل عنهم أحيانا كثيرة هو من أعظم سبل المبطلين وأهل الغواية في هدم هذا الدين والقضاء على تعظيم الشرع في نفوس الناس، إذ العلماء هم حملة هذا الشرع فهدمهم هدم لما يحملونه.

قال العلامة بكر أبو زيد رحمه الله: وهذا مطمع مؤكد من خطط أعداء الملة لعدائها , والاستعداء عليها في منظومتهم الفَسْلَة لكيد المسلمين , ومنها : أن الكفار تكلموا طعنا في راوية الإسلام أبي هريرة -رضي الله عنه- دون غيره من الصحابة -رضي الله عنهم-؛ لأنه أكثرهم رواية, فإذا استسهل الطعن فيه, تبعه من دونه رواية. لهذا فقد أطبق أهل الملة الإسلامية , على أن الطعن في واحد من الصحابة - رضي الله عنهم - : زندقة مكشوفة . وقد أجرى العلماء هذا الحكم بمن قدح في أحد من حملة الشرع المطهر ، علماء الأمة العاملين ؛ لأن القدح بالحامل يفضي إلى القدح بما يحمله من رسالة البلاغ لدين الله وشرعه ؛ ولهذا أطبق العلماء - رحمهم الله تعالى - على أن من أسباب الإلحاد :" القدح بالعلماء ". قال الدورقي - رحمه الله تعالى-: " من سمعته يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهمه على الإسلام " . وقالها أحمد - رحمه الله تعالى - في حق يحيى بن معين ، وقيلت في حق أبي زرعة ، وعكرمة - رحم الله الجميع. انتهى.

ثم لو قدر أن واحدا من العلماء أخطأ فإن هذا لا يقضي بحط رتبته، بل السعيد من ينظر إلى كثير حسناته فيغفر لأجلها قليل زلاته. وهل ثبتت العصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ وليس أحد من الناس إلا وهو يخطئ، والسعيد من عدت سقطاته، فأولى الناس بأن تقال عثراتهم وتغفر زلاتهم هم أهل العلم لما لهم على الأمة من أثر حسن، ولما في حفظ هيبتهم ومكانتهم من حفظ لبيضة الدين. وأما تتبع الزلات والتشنيع بيسير الخطأ فشأن أهل الزيغ والضلال.

يقول العلامة بكر رحمه الله: ومن مستندات (( المنشقين )) الجراحين : تتبع العثرات ، وتلمس الزلات ، والهفوات . فيجرح بالخطأ ، ويتبع العالم بالزلة ، ولا تغفر له هفوة . وهذا منهج مرد . فمن ذا الذي سلم من الخطأ - غير أنبياء الله ورسله - ، وكم لبعض المشاهير من العلماء من زلات ، لكنها مغتفرة بجانب ما هم عليه من الحق والهدى والخير الكثير :

من الذي ما ساء قط * ومن له الحسنى فقط

ولو أخذ كل إنسان بهذا لما بقي معنا أحد ، ولصرنا مثل دودة القز ، تطوي نفسها بنفسها حتى تموت. فليتمسك المسلمون بغرز علمائهم ففي ذلك النجاة والعصمة، وليعلموا أن تعظيم العلماء وتوقيرهم من تعظيم شعائر الله تعالى، وقد قال جل اسمه: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب. وليعلموا أن موالاة العلماء ومحبتهم واقتفاء آثارهم والاقتداء بهم في الخير من أعظم عرى هذا الدين، قال شارح الطحاوية رحمه الله: فيجب على كل مسلم بعد موالاة الله ورسوله موالاة الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ، خُصُوصًا الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ، يُهْدَى بِهِمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ، إِذْ كَلُّ أُمَّةٍ قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُلَمَاؤُهَا شِرَارُهَا، إِلَّا الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ عُلَمَاءَهُمْ خِيَارُهُمْ، فَإِنَّهُمْ خُلَفَاءُ الرَّسُولِ مِنْ أُمَّتِهِ، وَالْمُحْيُونَ لِمَا مَاتَ مِنْ سُنَّتِهِ، فَبِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ وَبِهِ قَامُوا، وَبِهِمْ نَطَقَ الْكِتَابُ وَبِهِ نَطَقُوا، وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينًا عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَكِنْ إِذَا وُجِدَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ قَوْلٌ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِهِ -: فَلَا بُدَّ لَهُ فِي تَرْكِهِ مِنْ عُذْرٍ. انتهى.

وليعلموا أن إطلاق اللسان في العلماء عاقبته وخيمة، وإذا كانت أعراض آحاد المسلمين محترمة لا يجوز التوثب عليها فكيف بخاصتهم وهم عدول كل خلف الذين ينفون عن العلم تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

يقول الحافظ ابن عساكر رحمه الله: اعْلَم يَا أخي وفقنا الله وَإِيَّاك لمرضاته وَجَعَلنَا مِمَّن يخشاه ويتقيه حق تُقَاته أَن لُحُوم الْعلمَاء مَسْمُومَة، وَعَادَة الله فِي هتك أَسْتَار منتقصهم مَعْلُومَة وَأَن من أطلق لِسَانه فِي الْعلمَاء بالثلب بلاه الله قبل مَوته بِمَوْت الْقلب {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم. انتهى.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني