الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إرضاء الزوج أمه على حساب زوجته وأولاده

السؤال

عانيت من ظلم ومكر أم زوجي أشد المعاناة، فهى امرأة بارعة فى التمثيل ومفوهة جدا، وبوجهين أستاذة في استعطاف ابنها، وتستدر دموعها ومسكنتها دوما أمامه، ومعي هى بوجه مناقض تماما. حاولت كسبها وإرضاءها بكل السبل التي أستطيعها، ولكني مرضت نفسيا لحد كبير جدا، فهي لم تكن تريد الاسترضاء، ولكنها تريد السيطرة الكاملة، وتريد الموالاة الكاملة لها في الحق والباطل، وفوق هذا وذاك تريد قتلي معنويا بالسخرية المتكررة مني، وتشويهي أمام زوجي وقلب الحقائق دوما، والإفساد البارع الطريقة بإلقاء الشبه والشكوك حولي. قد يكون هذا غيرة منها لأني أتميز بالجمال ومهارات الطبخ المتقن المبتكر في محيطنا، وقد يكون بسبب أنها طلقت من أبي زوجي، وطلاقها كان حديثا لمدينتنا في انحراف أخلاقها وأسرتها. هذا، والله أعلم بالحال. زوجي عاطفي يحب أمه كثيرا التي تجيد اللعب على هذا الوتر. سحر أكثر من مرة، وتمت رقيته، وتكرر السحر. ما أريد قوله أن سيطرة حماتي الكاملة ساقتني إلى عنت شديد جدا، حيث إنني أتعايش مع عائلة طليقها المختلفة في الطباع، وحياتي مع زوجي كانت كثيرة السفر، وكنت حاملا في أوقات كثيرة. أسلوبها الساخر مني ومدحها الدؤوب في نفسها وعائلتها وتسفيهها لي ولعائلتي، وأسلوب الغمز واللمز التي كانت تمارسه معي، وأسلوب استقطاب ابنها ليقوم بنهري وتهميشي وإحراجي والغلظة معي، وأسلوب التناجي المستمر بينها وبين ابنها في وجودي وحدي معهم وبدوني، وأسلوب التشكيك وإلقاء الشبه وطريقة تكبير الأمر الصغير، وتصغير وتهميش الأمر الكبير حسب المصلحة، كل هذا جعلني دائمة التفكير والعصبية الشديدة مع الحزن وكراهية الحياة.
لي الآن أربعة أولاد ذكور، استطاعت حماتي أن تزوج زوجي علي، سبع سنوات ولم تنجب الثانية. حماتي تقوم بجهد جهيد لإرجاح كفة الأخرى مدعية أنها تريد العدل والحق، وفعلها عكس ذلك، بل بالعكس هي تتمنى الخلاص مني. لا زلت أنا مصابه باكتئاب عصبي، ولازال الطبيب يزيد الجرعة رغم استعدادي الرائع للدواء على حد وصفه، ولكن سوء ظروفي الحياتية هو ما يؤثر سلبا على ذلك. حتى أولادي، وأقسم بالله أني لا أبالغ فيما أقول( أولادي ما بين فرط حركة واكتئاب وعناد شديد وعنف وتمرد.
سؤالي وأعتذر على الإطالة: هل إرضاء زوجي لأمه على حساب ظلمه لي وأولادي وإصابتنا بمصائب وعنت وضرر بالغ وأمراض نفسية حادة. هل هذا جائز؟
وما نصيحتكم لزوجي الذي يحب أمه لدرجة أنه يراها ملاكا طاهرا أو نبيا معصوما، ولا يقبل كلمة عليها، ظنا منه أن هذا بر؟
وهل الشخص يثاب أم يأثم إن لم يشهد على ظلم أبويه وكان شاهدا على ذلك وطلبت شهادته؟ وإن فعل أكثر من ذلك وقام بتفصيل تهم وافتراءات لخصومهم. ما حكمه عند الله؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد جعل الشرع للزوجة حقوقا على زوجها، وقد سبق ذكر هذه الحقوق في الفتوى رقم: 27662. فعلى الزوج أن يوصل إليها حقها، ولا يفرط في شيء من ذلك محاباة لأمه، فليعط أمه حقها، ويعط زوجته حقها. وينصح الزوج بتحري الحكمة في مثل هذا، بحيث يبر أمه ولا يظلم زوجته. وينبغي للزوجة أن تعين زوجها بالصبر، وأن تناصحه بالمعروف إن وجد ما يقتضي النصح.

وأن يحب الرجل أمه، أو يرى فيها مثلا أعلى بحسب ما يظهر له لا إشكال فيه في حد ذاته، ولا يمنع من هذا، ولكن لا يحابيها على حساب زوجته كما أسلفنا، فهذا الذي ينهى عنه.

وإذا تعينت عل الزوج الشهادة وجب عليه القيام بها ولو تجاه والديه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ {النساء:135}، قال الإمام الشافعي في الأم: والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد وقد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن يقوم بها على والديه وولده والقريب والبعيد وللبغيض القريب والبعيد، ولا يكتم عن أحد، ولا يحابي بها ولا يمنعها أحداً . اهـ.

فهذا فيما إذا تعينت، فإن لم تتعين لم تجب عليه.

وإن قال عن أحد ما لم يقله، أو نسب إليه ما لم يفعله، فهو زور وبهتان. قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « أتدرون ما الغيبة ». قالوا الله ورسوله أعلم. قال « ذكرك أخاك بما يكره ». قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال « إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته ».

وننبه إلى أن من أهم مقاصد الشرع السكن النفسي للزوجين، فينبغي لكل منهما العمل على ذلك، لتسعد الأسرة، وينشأ الأبناء نشأة سوية. فإن غاب هذا المعنى ترتب على ذلك - في الغالب - آثار سيئة ومدمرة، وخاصة على الأولاد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني