الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أوجه النفع والضر في الاحتجاج بالقدر على الابتلاء

السؤال

أعلم أن الابتلاء من الله لكن -على سبيل المثال- كيف يكون المدمن الذي اختار طريق الإدمان، كيف يكون هذا مبتلى من الله وهو
الذي اختار هذا الطريق وهذا البلاء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكل ما يقع من الكوائن إنما يقع بتقدير الله تعالى، وكل ابتلاء يبتلى به عبد فإنما هو بقضاء الله وقدره، ولا يمتنع أن يكون لهذا القضاء، وذلك التقدير أسباب، قدر الله وجود هذا البلاء بها، ثم إن كان سبب هذا البلاء محرما فالعبد ملوم مؤاخذ على تعاطيه السبب المحرم، وقد استحق على فعله هذا عقوبة الدنيا والآخرة، فهذا الذي تعاطى الخمر أو المخدرات حتى صار مدمنا قد ارتكب سببا محرما أوجب له البلاء الذي يعانيه في الدنيا من الأسقام ونحوها؛ فضلا عما ينتظره في الآخرة، والسبب والمسبب بتقدير الله تعالى.

وهذا الشخص فاعل ما أوجب عقوبته حقيقة؛ لأن ذلك وقع باختياره ومشيئته التي خلقها الله له وركبها فيه، والواجب على هذا المدمن الذي أصابه البلاء أن يتوب إلى الله تعالى من ذنبه هذا، فإذا تاب من هذا الذنب بقي ما يتعرض له من البلاء مصيبة محضة لا يلام عليها بل تكون كفارة لسيئاته ورفعة لدرجاته، وأما قبل التوبة فهو ملوم مؤاخذ؛ كما بينا. فالاحتجاج بالقدر السابق إنما ينفع هذا الشخص إذا ارتفع اللوم، وذلك بتحقيق التوبة النصوح، وأما قبل ذلك فاحتجاجه بالقدر مردود عليه، كاحتجاج المشركين على شركهم بالقدر.

قال ابن القيم في وجه احتجاج آدم على موسى في الحديث المشهور: الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع، ويضر في موضع. فينفع إذا احتج به بعد وقوعه والتوبة منه وترك معاودته، كما فعل آدم فيكون في ذكر القدر إذ ذاك من التوحيد ومعرفة أسماء الرب وصفاته وذكرها ما ينتفع به الذاكر والسامع؛ لأنه لا يدفع بالقدر أمرا ولا نهيا، ولا يبطل به شريعة، بل يخبر بالحق المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوة، يوضحه أن آدم قال لموسى: أتلومني على أن عملت عملا كان مكتوبا علي قبل أن أخلق، فإذا أذنب الرجل ذنبا ثم تاب منه توبة وزال أمره، حتى كأن لم يكن فأنبه مؤنب عليه ولامه حسن منه أن يحتج بالقدر بعد ذلك، ويقول هذا أمر كان قد قدر عليّ قبل أن أخلق؛ فإنه لم يدفع بالقدر حقا، ولا ذكره حجة له على باطل ولا محذور في الاحتجاج به.

وأما الموضع الذي يضر الاحتجاج به ففي الحال والمستقبل بأن يرتكب فعلا محرما أو يترك واجبا فيلومه عليه لائم، فيحتج بالقدر على إقامته عليه وإصراره، فيبطل بالاحتجاج به حقا ويرتكب باطلا؛ كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم غير الله فقالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} : {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} فاحتجوا به مصوبين لما هم عليه، وأنهم لم يندموا على فعله، ولم يعزموا على تركه، ولم يقروا بفساده. فهذا ضد احتجاج من تبين له خطأ نفسه وندم، وعزم كل العزم على أن لا يعود، فإذا لامه لائم بعد ذلك قال كان ما كان بقدر الله. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني