الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أود السؤال عن معنى الظن الوارد في الحديث النبوي الشريف: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ـ وهل الطارئ أو المستجد هو الظن؟ أم الأصل كذلك هو الظن؟ فأي الظنيين هو المقصود؟ مثال ذلك: إذا ظننت أن أبي تزوج امرأة أخرى، فهل هذا هو الظن، فكلا الأمرين ظن: زواجه وعدم زواجه، أواجه مشكلة في فهم معنى الظن المقصود.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الظن الذي جاء الشرع بالنهي عنه في مثل حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ـ متفق عليه. هو عقد القلب على اتهام مسلم بسوء دون مسوغ.

جاء في شرح مسلم للنووي: المراد النهي عن ظن السوء، قال الخطابي: هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس، فإن ذلك لا يملك، ومراد الخطابي أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه؛ دون ما يعرض في القلب ولا يستقر، فإن هذا لا يكلف به، كما سبق في حديث: تجاوز الله تعالى عما تحدثت به الأمة، ما لم تتكلم أو تعمد ـ وسبق تأويله على الخواطر التي لا تستقر، ونقل القاضي عن سفيان أنه قال: الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به، فإن لم يتكلم لم يأثم. اهـ.

وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}: ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا ـ لفظ البخاري، قال علماؤنا: فالظن هنا وفي الآية هو التهمة، ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها، كمن يتهم بالفاحشة أو بشرب الخمر مثلا ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك، ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قول تعالى: ولا تجسسوا ـ وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء ويريد أن يتجسس خبر ذلك ويبحث عنه، ويتبصر ويستمع لتحقق ما وقع له من تلك التهمة، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وإن شئت قلت: والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها، أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب، وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظن الفساد به والخيانة محرم، بخلاف من اشتهره الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث، وعن الحسن: كنا في زمن الظن بالناس فيه حرام، وأنت اليوم في زمن اعمل واسكت وظن في الناس ما شئت. اهـ باختصار.

وقال الهيتمي في الزواجر: ثم عقب تعالى بأمره باجتناب الظن، وعلل ذلك بأن بعض الظن إثم، وهو ما تخيلت وقوعه من غيرك من غير مستند يقيني لك عليه، وقد صمم عليه قلبك أو تكلم به لسانك من غير مسوغ شرعي، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ـ فالعاقل إذا وقف أمره على اليقين قلما يتيقن في أحد عيبا يلمزه به لأن الشيء قد يصح ظاهرا لا باطنا وعكسه، فلا ينبغي حينئذ التعويل على الظن، وبعض الظن ليس بإثم بل منه ما هو واجب كظنون المجتهدين في الفروع المترتبة على الأدلة الشرعية فيلزمهم الأخذ بها، ومنه ما هو مندوب ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ظنوا بالمؤمن خيرا ـ وما هو مباح، وقد يكون هو الحزم والرأي، وهو محمل خبر: إن من الحزم سوء الظن ـ أي بأن يقدر المتوهم واقعا كمطل معامله الذي يجهل حتى يسلم بسبب ذلك من أن يلحقه أذى من غيره أو خديعة، فنتيجة هذا الظن ليس إلحاق النقص بالغير، بل المبالغة في حفظ النفس وآثارها على أن يلحقها سوء. اهـ.

وبهذه الكلمات المنقولة عن أهل العلم يتبين لك بجلاء ـ إن شاء الله ـ معنى الظن المنهي عنه في الشرع، وأن قولك: وهل الطارئ أو المستجد هو الظن أم الأصل كذلك هو الظن ـ لا محل له في الظن المنهي عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني