الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفروق الهائلة بين خلق الله وبين مبتكرات الإنسان

السؤال

استطاع فريق بحثي مكون من العلماء والباحثين بجامعة هارفارد، وجامعة إلينوي، وميشيغان، وكذلك المركز الطبي لجامعة ستانفورد، وبقيادة باحث بيولوجيا القلب، وهندسة الأنسجة، والنانو تكنولوجي ـ كيت باركر ـ تخليق أول كائن حي اصطناعي باستخدام تطبيقات الهندسة الوراثية، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وقد بدأت الأقاويل تنتشر بأن في هذا تحد قوي وواضح لتفرد الله بالخلق، وأن الإنسان أصبح باستطاعته أن يخلق كائنات أيضا، فأرجو الرد على هذه الشبهة منعا للوقوع في الضلال والوساوس، وهناك مقطع فيديو على موقع يوتيوب مدته دقيقة ونصف يوضح هذا الأمر، وعنوانه: Robotic ray is part animal, part machine

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فوصف هذا الشيء المصَنَّع بأنه كائن حي: لا يصح ولا يقبل! وصُنْعه على وجه يمَكّنه من الحركة في ظروف وتحت مؤثرات معينة، لا يعطيه أدنى خصائص الكائن الحي حقيقة، وكونه يأخذ الطاقة اللازمة للحركة من الضوء بطريقة معقدة وغير متبعة في المبتكرات السابقة، وإن كان يعطيه مزية عليها، إلا إنه لا يرفعه لمصاف الكائنات الحية، بما لها من إدراك، وقدرة على التكيف، واستجابة للمؤثرات، وتفاعلات معقدة لتحويل الطاقة إلى شكل يمكن استفادة الكائن الحي منه في نموه وإصلاح ما تلف منه، وغير ذلك، ومن له أدنى دراية بخصائص الكائنات الحية، وكيفية وجودها وعملها يدرك بوضوح وبساطة الفرق الهائل بين الكائن الحي، وبين مبتكرات الإنسان، وإن كانت في غاية التعقيد والتقدم، وصدق الله القائل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {الحج: 73 ـ 74}.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى: فإن مبتكرات الإنسان على ما وصلت وستصل إليه، ما هي إلا محاولة لمحاكاة شيء في الطبيعة التي خلقها الله تعالى، فليس في صنعه شيء على غير مثال سابق، ناهيك عن إحالة طبيعة الأشياء وقلب حقائقها، فضلا عن الإيجاد من العدم!! قال تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {يس: 78ـ 83}.
والخلاصة أن القدرة على الخلق والإحياء، وإخراج الحي من الميت، ليست إلا لله تعالى القائل: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ {النحل: 17}.

والقائل سبحانه: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {لقمان: 11}.

والقائل عز وجل: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ {الأنعام: 95}.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على البكري: من أخص أوصاف الرب تعالى القدرة على الخلق والاختراع، فليس ذلك لغيره أصلاً. اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 186965.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني