الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من حلف بغير الله فهل تلزمه التوبة أمام من سمع حَلِفه؟

السؤال

إذا قلت أمام أحد قولًا فيه كفر -كالحلف بغير الله من غير عمد- فهل يجب عليّ التصحيح أمام من أتحدث معه؟ أم استدراكه بالقلب يكفي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه ينبغي لمن حلف بغير الله أن يقول: لا إله إلا الله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق. رواه أحمد، والبخاري، وأبو داود، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

ولم نقف على نقل لأهل العلم في كونه ملزمًا بإعلان الرجوع عن خطئه أمام من سمع حلفه، وإنما تلزمه التوبة من ذلك القول الشنيع، وفي شرح صحيح البخاري لابن بطال: مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ، أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ ـ قال المهلب: كان أهل الجاهلية قد جرى على ألسنتهم الحلف باللات والعزى، فلما أسلموا ربما جروا على عادتهم من ذلك من غير قصد منهم، فكان من حلف بذلك، فكأنه قد راجع حاله إلى حالة الشرك، وتشبه بهم في تعظيمهم غير الله، فأمر النبي عليه السلام من عرض له ذلك بتجديد ما أنساهم الشيطان أن يقولوا: لا إله إلا الله، فهو كفارة له؛ إذ ذلك براءة من اللات والعزى، ومن كل ما يعبد من دون الله، قال الطبري: وقول ذلك واجب عليه، مع إحداث التوبة، والندم على ما قال من ذلك، والعزم على ألا يعود، ولا يعظم غير الله، وقد روى أبو إسحاق السبيعي عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: حلفت باللات والعزى، فقال أصحابي: ما نراك قلت إلا هجرًا ـ فأتيت النبي، فقلت: إن العهد كان قريبًا، فحلفت باللات والعزى، فقال: قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ثلاث مرات، وانفث عن شمالك ثلاثًا، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تعد ـ قال الطبري: وفيه الإبانة أن كل من أتى أمرًا يكرهه الله، ثم أتبعه من العمل بما يرضاه الله ويحبه بخلافه، وندم عليه، وترك العود له، فإن ذلك واضع عنه وزر عمله، وماح إثم خطيئته... اهـ.

هذا، وننبه إلى أن الحلف بالمخلوق معدود من الشرك الأصغر، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عنه، فمن ذلك ما روى البخاري عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وهو يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله، وإلا فليصمت.

وفي سنن أبي داود، عن سعد بن عبيدة قال: سمع ابن عمر رجلاً يحلف: لا والكعبة، فقال له ابن عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف بغير الله فقد أشرك. والحديث صحيح.

ولكن من سبقه لسانه فحلف بغير الله تعالى بدون قصد منه، فلا شيء عليه؛ لقول الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه. رواه أصحاب السنن، وصححه الألباني.

وفي فتاوى الشيخ ابن باز أنه سئل: هل يخرج الشرك الأصغر صاحبه من الملة؟

فقال: الشرك الأصغر لا يخرج من الملة، بل ينقص الإيمان، وينافي كمال التوحيد الواجب، فإذا قرأ الإنسان يرائي، أو تصدق يرائي، أو نحو ذلك، نقص إيمانه وضعف، وأثم على هذا العمل، لكن لا يكفر كفرًا أكبر. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني