الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من عاهد الله على التبرع من راتبه وأصبح مدينا وعليه التزامات أسرية

السؤال

أنا مدرس سوري مقيم بالرياض. عاهدت ربي منذ ثلاثة أعوام على أن أتبرع بخمسة عشر بالمائة من دخلي الشهري لفقراء سوريا المنكوبين بسبب الحرب. ولكني لا أستطيع أن أجمع بين ذلك، وبين مستلزمات البيت والأولاد؛ لأن دخلي لا يكفي بسبب ضعف الراتب. وعندما عاهدت ربي لم ألزم نفسي بزمن معين.
وسؤالي هو: هل يلزمني استمرار التبرع إلى حين انتهاء الحرب، أم للسنة التي عاهدت ربي فيها فقط. أنا الآن علي دين 4000 ريال بسبب ضعف راتبي؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان مراد السائل بقوله: (عاهدت ربي .. ) نيَّة نواها، وعزم على فعلها دون أن يتلفظ بها، فلا يلزمه شيء. وأما إن كان قال بلسانه: (أعاهد الله على كذا) أو (عليَّ عهد الله أن أفعل كذا) ونحو ذلك، فقد اختلف أهل العلم فيما يجب بهذه الصيغة. والراجح أنها تارة تكون يمينا ونذرا، وتارة يمينا فقط، فإن التزم بها قربة وطاعة -كما هو الحال هنا- فهي نذر ويمين، وإن التزم بها ما ليس بقربة، فهي يمين لا نذر.

وثمرة هذا التفصيل أن ما كان نذرا، وأمكنه فعله، لزمه ذلك، ولم تجزه كفارة يمين، أما ما كان يمينا، فهو مخير بين أن يمضي -إن كان في غير معصية- أو يكفر كفارة يمين. وراجع أقوال أهل العلم في العهد مع الله، الفتويين: 67979، 110306.
وأما السؤال عن مدة الوفاء بالعهد، وهل تقتصر على سَنَةِ العهد فقط، أو تستمر إلى انتهاء الحرب، فجواب ذلك بحسب نية السائل حين عاهد الله؛ فإن النية تخصص النذر وتقيده، وراجع الفتوى رقم: 105813.
وأما حكم النذر مع الفقر أو الحاجة إلى النفقة الأصلية على نفسك، أو من تلزمك نفقته، أو مع وجود دين لا تجد له وفاءً، فلا يلزمك، بل قد يحكم بحرمة هذا النذر إن كان قد سبقه وجود الفقر والدين والحاجة.

جاء في فتاوى الرملي: ما يحتاج إليه لدين لا يرجو وفاءه، أو لمؤنة من تلزمه مؤنته، لا يجوز تبرعه به بصدقة ولا نذر، ولا إعتاق ولا وقف؛ إذ الحرام لا يتقرب به. اهـ.
وجاء في الفتاوى الفقهية لابن حجر الهيتمي: الذي صرح به جمع متأخرون، أنه لا يصح النذر بما يحتاج إليه لدين لا يرجو له وفاء، أو لنفقة ممونه أو لنفسه، وهو لا يصبر على الإضاقة؛ لأن التصدق إما حرام أو مكروه، وكلاهما لا يصح نذره .. . اهـ.
كما صرحوا بحرمة صدقة التطوع لمن هذه حاله.

قال النووي في (منهاج الطالبين): من عليه دين، أو له من تلزمه نفقته، يستحب أن لا يتصدق حتى يؤدي ما عليه. قلت: الأصح تحريم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته، أو لدين لا يرجو له وفاء. اهـ.

وأما إن حصل النذر قبل وجود الدين، أو الحاجة إلى النفقة الواجبة، فهو صحيح منعقد، ويجب الوفاء به على ما نواه صاحبه، فإن تعارض الوفاء مع قضاء دينٍ لا يرجو له وفاءً، أو تزاحم مع نفقة واجبة على النفس، أو من يعول، بحيث لا يستطيع أداءهما معا، فليبدأ بنفسه، ثم ليؤد بعد ذلك ما يستطيع من نذره، وليكفر عن الباقي كفارة يمين، لأن القاعدة هي: تقديم قضاء حقوق الآدميين، إن لم يمكن الجمع بينها وبين حقوق الله تعالى؛ لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة، وحق الزوجة والأولاد في النفقة الواجبة، مقدم على حق الفقراء في النذر.

وراجع الفتوى رقم: 58467. وراجع في تفصيل كلام أهل العلم فيمن نذر ثم عجز أو أعسر، الفتوى رقم: 295036.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني