الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم صلاة المصاب بسلس الريح في المسجد

السؤال

أنا مصاب بمرض يسبب لي خروج ريح، ولا أستطيع التحكم به. وعند صلاة الجماعة أخاف أن ينتقض وضوئي أثناء الصلاة.
فهل من الجائز أن أصلي الصلاة في المنزل، وأعيدها مرة أخرى في المسجد مع الجماعة، بحيث إن انتقض وضوئي في المسجد أكون قد صليتها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 112689. أن من به سلس الريح، له التخلف عن صلاة الجماعة في المسجد، حتى لا يتأذى بريحه المصلون، وأنه لو ذهب، جاز إخراجُه منه.

فإذا كنت مصابا بسلس الريح، فلا تذهب للمسجد لإدراك فضل الجماعة، ويمكنك تحصيل فضلها في البيت بأن تصلي جماعة مع أهل بيتك، ولك أجر جماعة المسجد -إن شاء الله تعالى- ما دمت تخلفت عنها لعذر، ولو فُرِضَ أنك صليت في بيتك، ثم أحسست بتوقف خروج الريح، جاز لك الذهاب للمسجد وتحصيل فضل الجماعة، سواء صليت في البيت منفردا أو جماعة.

جاء في الموسوعة الفقهية: مَنْ أَدَّى الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً، اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَدْخُل مَعَ الْجَمَاعَةِ لِتَحْصِيل الْفَضْل؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَرَأَى رَجُلَيْنِ خَلْفَ الصَّفِّ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَال: عَلَيَّ بِهِمَا، فَجِيءَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَال: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ فَقَالاَ: يَا رَسُول اللَّهِ: إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَال: فَلاَ تَفْعَلاَ، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ، فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ ...... هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً أُخْرَى، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ إِعَادَةِ الصَّلاَةِ مَرَّةً أُخْرَى فِي الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ؛ لأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ، فَرَأَى رَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ فَقَال: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالاَ: صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا فَقَال: إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ .. ، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَّيْتُمَا" يَصْدُقُ بِالاِنْفِرَادِ وَالْجَمَاعَةِ. وَرَوَى الأْثْرَمُ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ قَال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَمَّنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ دَخَل الْمَسْجِدَ -وَهُمْ يُصَلُّونَ- أَيُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَال: نَعَمْ. وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ قَال: صَلَّى بِنَا أَبُو مُوسَى الْغَدَاةَ فِي الْمِرْبَدِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَصَلَّيْنَا مَعَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. وَعَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ، وَكَانَ قَدْ صَلاَّهُنَّ فِي جَمَاعَةٍ. اهـ.

وأما إذا لم يتوقف خروج الريح، فإنك لا تذهب للمسجد كما ذكرنا.

قال في كشاف القناع: وعلى قياسه أي الثوم والبصل ونحوهما: إخراج الريح من دبره فيه في المسجد؛ لأن فيه إيذاء بالرائحة، فيسنّ أن يصان المسجد من ذلك ويُخرج منه لأجله. اهـ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني