الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوفيق بين شرط الإيمان لإجابة الدعاء، وإجابة دعوة الكافر

السؤال

هل دعاء الكافر المظلوم مستجاب؟ وإن كان مستجابا، فكيف نوفق بينه وبين أن من شروط الدعاء دعاء الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن دعاء الكافر قد يجاب لأسباب وحكم يعلمها الله تبارك وتعالى، ومن ذلك دعاؤه إذا كان مظلوما، فعن أَنَس رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا حِجَابٌ دُونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. رواه أحمد في المسند وغيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.

قال الصنعاني: فإن الله حرَّم ظلم الكافر، وأنه ينتقم له كما ينتقم منه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: والخلق كلهم يسألون الله مؤمنهم، وكافرهم، وقد يجيب الله دعاء الكفار، فإن الكفار يسألون الله الرزق، فيرزقهم، ويسقيهم، وإذا مسهم الضر في البحر ضل من يدعون إلا إياه، فلما نجاهم إلى البر أعرضوا، وكان الإنسان كفورا.

وقال أيضا: وأما إجابة السائلين فعام، فإن الله يجيب دعوة المضطر، ودعوة المظلوم وإن كان كافرا.

وقال الملا قاري في مرقاة المفاتيح: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ لِلْوَلِيِّ وَغَيْرِهِ، مَا عَدَا الْكَافِرَ، فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لِاسْتِجَابَةِ دُعَاءِ إِبْلِيسَ، وَالِاسْتِدْلَالُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ {الرعد: 14} غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي دُعَاءِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ، بِخِلَافِ الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهُ حِجَابٌ ـ عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.

والكافر المظلوم أو المضطر يلجأ إلى الله تعالى في حالة الاضطرار، فيدعوه وحده لا شريك له، فيستجيب الله تعالى له تفضلا منه وكرما، أو استدراجا له.. ولعل هذا ـ والله أعلم ـ هو التوفيق بين شرط الإيمان وإجابة دعائه، عند من يقول بعدمها، قال عطية سالم في شرح الأربعين: حينما يتوجه الكافر إلى الله بالمسألة فيما يخصه ليفرج الكرب عنه، فهو في تلك اللحظة مؤمن بمن يدعوه، ويلجأ إليه ويرجوه.

والحاصل أن دعاء الكافر قد يجاب وخاصة إذا كان مظلوما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني