الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحذر من سوء الخاتمة لمن يصر على المعاصي

السؤال

أنا شاب عمري 18سنة، ومنذ طفولتي وأنا أسمع الأغاني وأشاهد الأفلام الخليعة، وفي سن 14 بدأت أخرج مع شلة مختلطة من شباب وبنات، ولدي حبيبة أقبلها بشكل يومي تقريبا، وأحرص على عدم الاختلاء بها خوفا من الوقوع في الزنا، لأنني رغم كل هذه المعاصي لا أتعدى حدود الله... ومنذ شهر بدأت الصلاة ولا أقطع فرضا، وأتصدق بجزء من راتبي.... وأستغفر وأذكر الله كثيرا... وأقرأ القرآن بكثرة، ولكنني لا أستطيع ترك أي شيء من الذنوب التي ذكرتها من شدة حبي وتعلقي بها، وقال لي صديقي إما أن تعبد ربك على وجه تام فتصلي وتؤدي طاعاتك ولا تتحدث مع الفتيات ولا تشاهد التلفاز ولا تسمع الأغاني، أو أن تتجه إلى الفتيات والأغاني دون الصلاة والعبادات، فهل أترك الصلاة وأتجه إلى المعاصي، وضميري لا يرضى بذلك؟ وهل أقوم بالعبادات وأترك المعاصي؟ وإذا فعلت هذا فسأعود كما كنت، وهل أداوم على الطاعات وأخلطها مع المعاصي وأكثر من الطاعات وأحاول تخفيف المعاصي حتى أستطيع ترك هذه المعاصي وتفوق حسناتي سيئاتي يوم القيامة.....؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم ـ هداك الله ـ أن من خلط عملا صالحا وآخر سيئا فإنه توزن حسناته وسيئاته يوم القيامة، فإن رجحت حسناته نجى وإلا استحق العذاب بقدر ذنوبه، لكن يخشى على المصر على الذنوب أن ينجر به ذلك إلى ما هو أعظم، ويخشى عليه أن تسوء خاتمته ـ والعياذ بالله ـ كما يخشى عليه الوقوع في ترك الفرائض تسويلا من الشيطان، ومن ثم فنحن نهمس في أذنك قائلين: أنت بحفاظك على الصلاة والذكر وقراءة القرآن على خير عظيم ـ والحمد لله ـ وإياك أن يسول لك الشيطان ترك الصلاة مهما عظمت معاصيك أو كثرت، فإن ترك الصلاة الواحدة أعظم من الزنى والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس، وانظر الفتوى رقم: 130853.

وما تذكره من أنك لا تستطيع ترك تلك المعاصي، إنما هو تلبيس من الشيطان عليك وإيهام منه لك، ونحن واثقون من أنك شاب قوي الإرادة ماضي العزيمة، وأنك كما قدرت على الحفاظ على الصلاة ولزوم الذكر، فإنك قادر ـ إن شاء الله ـ على ترك تلك المعاصي، فقط ما عليك إلا أن تبادر بتوبة نصوح إلى الله تعالى، وتصدق العزم على ترك جميع تلك المنكرات، وتخلص لله تعالى في ذلك، وثق بأن عون الله سيصحبك، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}.

وأنت إذا تقربت إلى الله شبرا تقرب الله إليك ذراعا، وإن تقربت إليه ذراعا تقرب إليك باعا، فمن الآن فابدأ، ولا يزينن لك الشيطان أنك عاجز عن ترك المعاصي، وإذا قدر أنك عدت للذنب فعد وتب ثم عد وتب، ولا تمل التوبة مهما تكرر ذنبك أو عظم، ويعينك على التوبة النصوح تذكر الموت وما بعده من الأهوال العظام والأمور الجسام، واستحضار أن الموت قد يأتي في أي لحظة، وأنه لا يفرق بين شاب وشيخ، واستحضر الموقف بين يدي الله تعالى، وأنك محاسب على القليل والكثير، والفتيل والنقير والقطمير، وأن الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، واستحضر اطلاع الله عليك، وإحاطته بك ونظره إليك، وأنك حين تكلم تلك الفتاة أو تسمع تلك المعازف فإنه سامع شهيد رقيب لا يخفى عليه من أمرك شيء، فاستحي منه سبحانه، ولا تجعله أهون الناظرين إليك.

واعلم أن التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة منوطة بطاعة الله تعالى وترك معصيته، واجتهد في الدعاء، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلا استقامة على طاعته إلا بمشيئته، فعلق قلبك به سبحانه والجأ إليه وتضرع له أن ينجيك من هذه الشهوات، ويأخذ بيدك وناصيتك إلى ما هو الخير لك في دينك ودنياك.

نسأل الله أن يهديك لأرشد أمرك، ويتوب عليك توبة نصوحا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني