الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الندم على المعصية يمحو الذنب ويرفع عقوبته

السؤال

أرجو أن تساعدوني في التكفير عن ذنوبي، والرجوع إلى الله.
أنا فتاة تمت خطبتي، وقد كنت على قدر واسع من العلم والأخلاق، وذات سمعة حسنة.
وخلال شهور قليلة من الخطبة، بدأ خطيبي بالتجاوزات في الحديث والصور والهاتف، وكنت أرفض دائما هذا النوع من الحديث، وأخبره بعقاب الله، وأحذره من انتزاع البركة من حياتنا، حتى أخبرني أنه سوف يطلب من والدي أن يقوم بكتب الكتاب، ويستمر هذا النوع من الحديث حتى موعد الزفاف.
وأخبرني أنه سوف يتم عقد القران في نهاية الأسبوع، وطلب صورة لي حتى ذلك الحين، وللأسف أرسلت له. ثم بدأ يهددني بتلك الصورة، ويجبرني أن أتجاوز معه، وإلا سوف يخبر أهلي حتى أجبرني أن أذهب لمنزله. وللأسف الشديد قمنا بتجاوزات، وأخبرني بعد ذلك أنه سوف يقوم بكتب الكتاب حتى يتوقف شعوري بالذنب. وأنا نادمة جدا على ما اقترفته من ذنب، وفسدت حياتي وصحتي، وعلاقتي بربي منذ ذلك الحين. فقد وجدت في هاتفه بعد ذلك أثناء زيارته لنا في منزلنا صداقات له مع أصدقاء ملحدين، وزيارات عديدة لمواقع تنشر الفاحشة، ووجدت محادثات عديدة مع أشخاص ملحدين.
وعندما أخبرته أنكر في بداية الأمر، ثم واجهته بما قرأت ورأيت، حتى ثار غضبه، وأخذ بالسب في رسول الله الكريم، والصحابة والأنبياء، والاستهزاء بآيات القرآن الكريم، وأنكر وجود الله، وأنكر الحياة بعد الموت، والثواب والعقاب، والجنة والنار، وعذاب القبر. ووصفني بالجهل والتخلف، وأن جميع الأديان السماوية تدعو للعنف والجهل.
أخبرت والدي في نفس اليوم، وقد تم فسخ الخطبة، وأعطاه والدي جميع مستحقاته.
وبعد فسخ الخطبة أخذ بإرسال التهديدات بالقتل والاعتداء، وغيرها، ولكني أخبرت أهلي، وهددوه بإخبار الشرطة. ثم توقف عن إرسال أي شيء. والحمد لله أنه قدر لي الخير، ورفع عني البلاء. ولكني منذ ذلك الوقت وأنا أخجل من التقرب إلى الله والصلاة. تركت صلاتي خجلا من الوقوف أمام الله، وتوقفت عن الدعاء وقيام الليل، وقراءة القرآن. وشعوري بالذنب يطاردني حتى الآن، وكلما حاولت الصلاة والتقرب من الله، أتذكر ذنبي وأستحي أن أطلب من الله العفو والبركة في حياتي. وقد تدهورت حالتي الصحية، ورسبت في اختباراتي، وانحدر مستواي التعليمي والنفسي والبدني، وقبل كل ذلك ساءت علاقتي بربي.
أرجو منكم المساعدة في حالة وجود كفارة لذنبي. وبلدي لا يوجد بها قانون تشريعي مثل الجلد والرجم، وهل أنا زانيه أمام الله بعد تلك التجاوزات؟ !!
وقد طلبني شابان بعد ذلك من والدي، ولكني أرفض بسبب تأنيب الضمير والشعور بالذنب.
هل أستمر برفض الزواج حتى وفاتي؟ وإذا تم زواجي هل يجب علي مصارحة زوجي بتلك التجاوزات فيما بعد، أم يعتبر ذلك مجاهرة بالذنب؟
وإذا لم أخبره. هل يعتبر ذلك غشا وكذبا؟!!
شكرا لكم على ما تقدموه من خير لوجه الله تعالى.
وأرجو المساعدة، مهما كانت الكفارة في الدنيا سوف أتحمل نتيجة أخطائي، حتى يرحمني الله من عذاب القبر، وعذاب الآخرة.
وأعتذر عن الإطالة في حديثي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحمد لله الذي تاب عليك من هذه الذنوب، والحمد لله الذي نجاك من الارتباط بهذا الشخص المرتد، ثم اعلمي -بارك الله فيك- أن باب التوبة مفتوح، لا يغلق في وجه أحد مهما كان ذنبه، وأن رحمة الله تعالى قد وسعت كل شيء، فمهما كان ذنبك عظيما فإن عفو الله ورحمته أعظم.

فإذا كنت قد تبت من هذه الذنوب -كما هو ظاهر- فاحمدي الله على التوبة، وأبشري بالخير منه سبحانه وتعالى، واعلمي أنك ترجعين بتوبتك من ذنبك كمن لم يذنب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه. وإياك وترك الصلاة، وترك العبادات؛ فإنه ذنب أعظم بكثير مما عملته من الذنوب، وانظري الفتوى رقم: 130853، بل عليك أن تجتهدي في طاعة الله تعالى أكثر مما كنت من قبل، وأكثري من الحسنات الماحية؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات.

ومن علامات قبول توبتك أن ترجعي بعد التوبة خيرا مما كنت عليه قبل فعلك الذنب، فأبشري وأملي خيرا، وأقبلي على ربك سبحانه وتعالى، واجتهدي في طاعته، وتزودي من عبادته، وامحي من ذاكرتك هذا الذي قد وقع منك؛ فإنه لا يضرك ما دمت قد تبت إلى الله تعالى.

ولا داعي لتأنيب الضمير الزائد عن الحد؛ فإنه يقعد عن العبادة، ويوقع في القنوط واليأس، بل يكفيك ندمك على الذنب، وتصح بذلك توبتك، ويمحى عنك ذنبك، ولا يضرك -إن شاء الله- لا في الدنيا ولا في الآخرة.

وما لم يحصل الإيلاج، فليس ما وقع منك زنى، ولا تخبري أحدا بما جرى منك، بل استتري بستر الله، واجعلي توبتك فيما بينك وبين الله. ولا كفارة لذنبك سوى التوبة النصوح، وبادري بالزواج من ذي الخلق والدين إذا تقدم لخطبتك، ولا تخبريه بشيء مما وقع منك البتة، بل استتري بستر الله واقبلي عافية الله.

نسأل الله أن يصلح حالك، ويوفقك لمراضيه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني