الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مخاطر وآفات داء الوسوسة

السؤال

ذهبت بسيارة أخي لأجري معاملة في البنك، وكان معي قريبي في السيارة، وتوقفت بالسيارة بجانب إشارة ضوئية بالقرب من البنك، وكانت الإشارة على مفترق طرق بأربعة اتجاهات. وفي بلادنا يسمح بالوقوف بجانب الرصيف، عندما يكون الرصيف مخططا بالأبيض والأسود، ولا يسمح بالوقوف بجانب الرصيف، عندما يكون مخططا بالأبيض والأحمر، وكان الرصيف الذي وقفت عنده مخططا بالأبيض والأحمر، أي أن الوقوف ممنوع.
وعندما انتهيت من إجراء معاملتي في البنك، ركبت في السيارة لأنطلق، وإذا بصوت سيارة إسعاف، وكانت الإشارة الضوئية أمامي حمراء، ولكن كما قلت لكم إني أصطف جنب الرصيف، والشارع يتسع لمسلكين غير المكان الذي أصطف فيه أنا. وعندما سمعت صوت الإسعاف كانت أمامها ثلاث سيارات، وأول سيارة منها تقف على الإشارة الحمراء بجانبي. وحسب القانون عندنا فيجب أن تبتعد السيارة التي أمام سيارة الإسعاف، وتقف على اليمين، وعندما أدركت أني أغلق المكان المخصص لتقف فيه السيارة التي تكون أمام سيارة الإسعاف (وهنا يجب على أول سيارة تقف أمام الإشارة، أو ثاني سيارة، أن تفتح الطرق للسيارتين أو السيارة التي خلفها؛ لكي تنفتح الطريق أمام سيارة الإسعاف، وهذا لم يكن متاحا لأول سيارة، أو لثاني سيارة، بسبب وقوفي أنا على اليمين) فحاولت التقدم قليلا، وفي نفس الوقت حاول صاحب أول سيارة في السيارات الثلاث التقدم، ولكنه انتبه إلى أني أحاول أن أتحرك فتوقف، ومشيت أنا للأمام قليلا، ثم دخلت المفترق على جهة اليمين، وبعدها قام صاحب أول سيارة (السيارة التي بمحاذاتي) بالتحرك، لكنه لم يصطف على اليمين، بل مشى للأمام ودخل المفترق إلى اليمين، وصاحب ثاني سيارة وثالث سيارة أمام سيارة الإسعاف لا أعرف كيف تحركا؟ واستغرق هذا الأمر من 10 -15 ثانية. وبعدها خفت أن أكون سببا في إلحاق الضرر بشخص كان في سيارة الإسعاف، أو- لا سمح الله- إذا حدث له شيء أكبر مثل وفاة أو شيء آخر، وأنا لا أعرف من كان بداخلها؟ وما هي إصابته وما هي حالته الصحية؟ وهل هي خطرة أم لا؟ ودرجة الخطورة، ولا أعرف إلى أي مستشفى ذهب به الإسعاف؟
سؤالي هو: هل إذا -لا سمح الله- حدث له شيء. فهل أعتبر متسببا بسبب أني متعد بوقوفي بجانب الرصيف المخطط بالأحمر والأبيض؟
ولأني لا أعرف أين ذهبت الإسعاف. فهل مطلوب مني شرعا أن أذهب إلى وزارة الصحة، وأسألهم أنه حدث كذا وكذا في الساعة الفلانية؛ ليفيدوني هل حدث شيء أم لا للذي كانت تقله سيارة الإسعاف؟ يعني أصبح يخطر ببالي أنه هل لو لم أكن متوقفا، وكانت سيارة الإسعاف تقل شخصا، وكان بإمكانهم أن ينقذوه في الوقت الذي تسببت فيه بتأخير للسيارة التي بجانبي، والسيارتين اللتين وراءها، وبالتالي بالتأخير لسيارة الإسعاف. فهل أعتبر متسببا؟
وإذا اعتبرت متسببا. فهل هذا ينطبق على كافة السيارات التي كانت تقف في طريق سيارة الإسعاف، لغاية وصولها للمستشفى أم لا؟
أرجو الرد، مع العلم أني شخص عندي بعض الوساوس.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يلحقك إثم فيما ذكرت، ولا يلزمك السؤال في المستشفى، أو وزارة الصحة أوغيرها عمن كان في سيارة الإسعاف؟ وهل أصابه مكروه أو لا؟ فهذه مجرد وساوس وشكوك، فأعرض عنها ولا تلتفت إليها، واستعذ بالله، واحذر أن تسترسل مع هذا النوع من الوساوس؛ فإنه يفسد عليك حياتك ودينك، ويزداد كلما استمرأته واسترسلت فيه.

وقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة هل له دواء؟

فأجاب: له داوء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية -وإن كان في النفس من التردد ما كان- فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون. وأما من أصغى إليها، وعمل بقضيتها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها، وإلى شيطانها … وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته، وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليعتقد بالله ولينته. فتأمل هذا الدواء النافع، الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته.
واعلم أن من حُرِمَهُ حُرِمَ الخير كله؛ لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقاً، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال، والحيرة، ونكد العيش، وظلمة النفس وضجرها، إلى أن يخرجه من الإسلام ، وهو لا يشعر، إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً … ولا شك أن من استحضر طرائق رسل الله سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وجد طريقته وشريعته سهلة، واضحة، بيضاء بينة، سهلة لا حرج فيها، وما جعل عليكم في الدين من حرج، ومن تأمل ذلك وآمن به حق إيمانه، ذهب عنه داء الوسوسة والإصغاء إلى شيطانها … وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته، فقالوا: داء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأن يقاتله فيكون له ثواب المجاهد؛ لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فرَّ عنه، وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان، وسلطه الله عليه محنة له، ليحق الله الحق، ويبطل الباطل ولو كره الكافرونوبه تعلم صحة ما قدمته أن الوسوسة لا تسلط إلا على من استحكم عليه الجهل والخبل، وصار لا تمييز له، وأما من كان على حقيقة العلم والعقل، فإنه لا يخرج عن الاتباع، ولا يميل إلى الابتداع .. ونقل النووي عن بعض العلماء أنه يستحب لمن بلي بالوسوسة في الوضوء أو الصلاة أن يقول: لا إله إلا الله. فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس، أي تأخر وبعد، ولا إله إلا الله رأس الذكر. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني